Wednesday, May 4, 2022

الخيبة

 أصعب ما يمكن أن يمر به الإنسان هو خيبة الأمل بعدما شيد منزلا من الأحلام و هدم بعد كل تلك السنوات الذي أشرف على بنائه ، كم هو مؤلم عندما تصفعك الحياة بواقعها في حين أنها كانت كذبة جميلة في مقام ما كنت تتمناه ... فما هو شعور الإنسان بعد هذه الصدمة التي جعلته يستيقظ من حلم اليقظة لكي يجابه الحياة الحقيقية ، أحقا وجهها الأصلي بشع ؟ ، نعم أعرف القناع الذي ارتدته كان مغري . ماذا الآن ؟ بعذ هذا التلذذ و الإستمتاع حان الوقت لتذوق الكؤوس الأخرى التي تخبئها الحياة لإقتراب نهاية الحفلة التي تقيمها لضيوفها الذين ينبهرون من أداء الحياة لتحويل الإحتفال إلى مجزرة دمائية تنزف القلوب فيها وجعا و تنوح فيها الأرواح علة ...

فما هي المرحلة التالية ؟ أحقا دائما ما تتعمق رصاصة الصدمة التي تخترق قلبنا ؟ بعد كل هذا الألم الذي أصبح يشعر به الفرد فإن من المؤكد أنه سيغرق في دوامة من اليأس و الإكتئاب ، سيلون صفحات كتابه بالأسود و قد يمزق بعض الذكريات التي كانت الأفضل و لازالت غير أن ما خلف السطور قد انكشف ، وتغيرت نظرة الفرد لها فأصبح يراها من زاوية أخرى بعيدة كل البعد عن الزاوية الأولية التي التقطت بها... دموع خفية تساقطت ، الجرح لازال يتعمق ، الوردة التي اعتنى بها كل هذا الوقت كان مصيرها الذبول بعدما فقدت عطرها المثير , صراع داخلي بين الحقيقة و الوهم ، فمن الحماقة أن يسعى قلبك لتغليب الوهم على المنطق بعدما تلقى هذه الصاعقة اللادغة . إنه صراخ عالي في صمت رهيب ، إنه فراغ عميق في إكتظاظ الألم ، إنها جنازة تقام كل يوم للترحم على كل الأمنيات و الأحلام التي تلاشت بعيدا ، إنه ضياع شامل للنفس في متاهة النجاة فيها شبه مستحيل، إنه احتراق كامل للروح بنار وقودها الحنين ، إلى أشلاء تتمزق المشاعر ، إلى قطع تنشق التطلعات ، الشمس التي أشرقت حان وقت غروبها . فماذا الآن ؟ غالبا ما يكون الخيار الجبان هو الأسهل ألا و هو مشاهدة الشخص لنفسه يحترق ببرود حتى يصبح رمادا يتطاير في الأرجاء و هذا شبيه برفع الراية البيضاء و الإعلان بطريقة صريحة عن الإستلام و عدم القدرة على النهوض من جديد إن هذا ما يطلق عليه التماهي مع الماضي و العجز عن التماشي مع الحاضر ؛ إن العيش في ذكريات الماضي لموت في الحاضر و إنه لعيش في سجن يقيد الجانب الوجداني و الروحي في ألامكان و يحرر الجانب المادي لإثبات أن الوقت بالفعل يمر ليكون ماضي بدوره بعدما عاشه الفرد حاضرا غافلا ، واهما ، غير مصدق ... هذا الخيار لخطأ فظيع تفوق بشاعته عندما يدمر الإنسان كليا
لا يمكن أن ننكر أن الإنسان قد يضيع في بعض الأحيان و لا يدرك من أين يبدأ و لا يعرف أصلا أين وضعته المعاناة إنه فقط متأكد من شيئ واحد أن بالفعل كل شيئ قد انتهى و أنه متعب من أن يكون هنا، إنه شبيه بالشخص الذي قرأ كتاب ما و أنهاه و لكنه حزن على ذلك و صار يحدق في نقطة النهاية و ربما يكرر قرائته مجددا ، لكن هذا الشخص لم يفكر لحد الآن أن يشتري كتاب أخر ، فكل نهاية عبارة عن بداية جديدة ، بعد غروب الشمس يحين وقت شروقها ، بعد المرض هناك شفاء ... المسألة فقط تتطلب الإيمان الجازم بحقيقة أن بعد العسر هناك يسر ، باختصار إنها الحياة و ما هي إلا كلمة مكونة من أربعة حروف و لكن معناها من أعمق المفاهيم و التي يكتشفها الشخص مع مرور السنوات أي بعد مواجهته لها و إدراك أنها حقا معلمة ماهرة ، فهي تعملك الدرس و تكرره لك مرة أخرى إن لم تفهمه ، أليس من حقها أن تجازى بتلاميذ مجدين مستعدين لإجتياز جميع الإمتحانات الصعبة و السهلة و لما لا التوفق بعلامات مشرفة تثبث أن لا فائدة من إعادة الدرس مجددا .
إن الحياة قطار سريع غير منقطع نركبه ، و لكل فرد بطاقة تحمل هويته الخاصة و محطة معينة يجهلها، يجب عليه التوقف عندها سواء أكان بإرادته أو لا ، و لكن هناك من يفصل رحلته قبل وصوله لمحطته و هذا دائما ما يحدث بتظافر بعض الأسباب و من أهمها تعب الإنسان من هذه الرحلة التي قد لا تكون ممتعة للبعض .... و على أي حال كل شخص له طريقته الخاصة في خلق معنى لحياته و اتباع كيفية معينة لعيشها . فلما لا نكافح حتى النهاية ؟ فلا شيئ يستحق أن يجعلنا نتوقف و من أن لا نستمر ، أليس علينا أن نترك بصمتنا في مقعدنا و أن نكون متميزين بطريقة ما ؟ بلا يجب أن نكون مبدعين ، معرفين بهويتنا ، مانحين قيمة لها ، مشرفين لسبب وجودنا ، رافضين للإستسلام ، محفزين على الإستمرار  

No comments:

Post a Comment

وردية العمل

  كأن الساعات تتضاعف و الضيق على صدري ينقبض أكثر فأكثر، و القلق يتشكل عرقا على جبيني، أحمِل  تراكمات الأيام و سخط الأمس معي، اترقب موعد حريت...