الحياة تحافظ على استمرارية مجاريها ، و التاريخ أحسن برهان ،إن الماضي يتداخل مع الحاضر لتكوين المستقبل القريب ، و يعد الجنس البشري من أحد المعمرين انتقاء على الأرض ، كل من الطبيعة و الإنسان يشكلان دورات متتالية للحياة ، مما جعل هذا الأخير يرتبط مع محيطه خالقا لعلاقات أحد بنودها العجز عن كسر قواعد الطبيعة ، و هكذا تولدت الصورة الدائمة للوجودية . هذا ما يدفعنا للتأمل في هذا السكون الصامد رغم بعض الانقطاعات التي توصف بالعادية و ذات التأثير الطفيف لأن لا فرق جذري يرى على أمد العصور .
الأنهار العذبة الدائمة و الموسمية شرايين الحياة تياراتها الموحدة المتدفقة بين المساحات الخضراء ، تفوح حياة ، تكاد تتشبه بالجنة ، قد تفيض و تدمر ما أحيته من قبل ، أما الجبال الشامخة و الثابتة منذ آلاف السنين ، علوها و قممها تداعب السحاب و تحضن الطيور المهاجرة ، إنها سيرورة مكونات الطبيعة ، تتجدد فيها الطاقات و تندثر أخرى حسب تفاعلات متوازنة ، حيث لا شيئ يضيع ، الكل مع الكل يتجاذب و يتنافر في حياد مطلق .
و لازلنا نعيش ثلاث فترات : فترة الطفولة ، فترة المراهقة و فترة الرشد ، في كل واحدة منهم نتغير و نكتشف حتى نصل إلى درجة من الوعي النسبي الذي يمكن للشخص أن يدركه ، نكتسب و نخسر ، نتعلم و نمضي ، لكل شخص أوهام يتعايش معهم ، حتى يصادف في رحلته الحقائق ، في حين تبقى بعض من المفاهيم مبهمة و غامضة ، تدهشنا ، فتنبت زهرة المعرفة في ذواتنا .
نضيع و نوجد ، نخطئ و نندم و نتعارك و نتسامح و كذلك نبتسم عند لحظات أبهجت قلوبنا و نبكي عند فقدان شيئ ما ، و هذا ما يجعل اليقين يزرع بداخلنا من مرحلة الطفولة إلى الشيخوخة ، يقين ارتباط الحياة مع الموت ، حتى أننا نقيم حفلات استقبال للمواليد و ووداع للراحلين ، و كأن بطاقة تُشترى لنا للمشاركة في مسرحية الحياة ، لكل واحد منا دوره الخاص ، نتقمص خلالها عدة حالات من السعادة و الحزن ، من الجدية و الضحك ، من الإنشراح و الاختناق ، من الآمان و الخوف و من النجاح و الفشل ، في أخر المطاف نشاهد شريط حياتنا يمر في لمح البصر ، لنغادر صالة المسرح وحيدين برورود و دموع ، نحيى فنعيش ، نحتضر فنموت ، لترقد أرواحنا في السلام في القبر المنتظر .
بقلم : هاجر بلهاشمي
No comments:
Post a Comment