Thursday, December 15, 2022

جدتي الغائبة

 عند محطات التخلي، هُجرت و هَجرت، وُدعت و تَمسكت، صُفعت و صُدمت. كانت روحا مأنسة و عطوفة، قاسية أثناء الحاجة القصوى و قلقة في اللحظات المتوترة، كانت حاضرة داخل فوضى الأفكار و غائبة الآن عن موعد اللقاء المعتاد، فهل اشترت بطاقة قطار التخلي؟

إنها ذكريات لا تنسى مع أن الضمائر الموجودة في تكوينها قد رحلت منذ زمن بعيد، إنها دمعة الحنين تعلن عن انتصار التذكر على النسيان، إنها صرخة مكبوتة داخليا مع أن السنين ركضت مع بعضها البعض واحدة تلو الاخرى، لم تستطع أن تخرس هذه الاخيرة التى تنادي الضمائر التي بَعُدت.
لمحتها في مقطورة المفارقة الأبدية، محملة بأحزان الرحيل بدون وداع، تكاد تختفي تماما من صفحات كتابي، لكن اسمها المقدس في قاموسي الشعوري سيظل مكتوبا بلون ذهبي لايطمس، حينها أردت قول كلمات لا حد لها، ابتغيت حضنا نترك معه كل ألم الفراق، أحببت أن أرافقها في رحلتها التي بدون وجهة، تمنيت لو أن أركب قطارا اخر لكي لا تبتعد طريقنا و ألحق بها، أو فقط أن تنظر إلي و توحي بأننا سنجتمع في محطات اخرى، أن هناك لحظات سنتشاركها مرة اخرى.
كم من أرواح نزحت إلى بعد اخر غير الذي جمعنا فيه القدر، و كل ما ندركه أننا اللاحقون اعتبارا للطبيعة المتجددة و المتوازنة في خلق الاستمرارية. إن قلبي يطمئن عند سقي الأزهار الوردية و العشب الأخضر الدائمين على تربة قبرك يا روح تعلقت بك منذ الطفولة، ربما أنت الآن راقدة في سلام، و هذا ما احتجت إليه بعد عذاب أمراض الدنيا، بلا أدوية و لا خوف و ألم، رأيتك في حلمي بفستان أبيض ملائكي مع تاج على رأسك يا ملكة قلبي، بابتسامتك البريئة و المشرقة، تحلقين عاليا نحو السحب، إلى سماء رب العالمين، تودعينني في حلم كاد أن يصبح حقيقيا، فألف سلام على روحك الراحلة.
بقلم: هاجر بلهاشمي

No comments:

Post a Comment

وردية العمل

  كأن الساعات تتضاعف و الضيق على صدري ينقبض أكثر فأكثر، و القلق يتشكل عرقا على جبيني، أحمِل  تراكمات الأيام و سخط الأمس معي، اترقب موعد حريت...