بعنوان: الجسر العالي
كانت بالفعل قد استسلمت لمعاناتها من أن تدمرها رويدا رويدا في كل ليلة، و خضعت لصوت الألم الصاخب المقيم في عقلها إقامة دائمة، تشاهد فقط انهيار كل ما حاولت جاهدة لاصلاحه في هذه السنوات، و تنصت لأنين روحها و هي تستغيث باخر أمل للنجاة من التلاشي في الفراغ، لكنها كانت فقط تستلقي على سرير اليأس و تعانق وسادة الندم، و تحدق في الجدران الأربعة الخانقة، و هي تنتظر الشيطان الذي يزورها عند منتصف الليل لكي يعذبها بسلاح الكوابيس التي تتوفى فيها ألف مرة، التي تجعلها تبتغي أن تدفن مع ألمها فيموتان معا في سلام.
الدموع بللت وسادتها
الخيال يسجن عقلها
الوجع يفتك بقلبها
البرود يقيد مشاعرها
الظلام حالك في لياليها
الضياع يمثل عنوانها
في هذه الليلة، رفضت الاستسلام و تمردت على شيطانها و خذلته، تركته وحيدا كما يجبرها على الانعزال، ارتدت معطفها الدافئ الطويل و توجهت إلى جسر مرتفع يطل على نهر عميق، أو كما يطلقوا عليه جسر الموت و الهاوية، ظلت تطل من أعلى الجسر و تفكر إن كانت قفزة واحدة كافية لقتل معاناتها، إن كان يا ترى عمق النهر قادرا على اغراق كل أفكارها الجافة من المقاومة، شعرت و كأن قواها تستنزف في تلك اللحظات و أن الخوف يتملكها كليا، فهل يا ترى كان خوفا من الموت أو خوفا من أن لا ينتهي الألم؟
للألم لذة و مشقة
و للرجاء وهن و رحمة
للخوف تراجع و حماية
و للصمت خضوع و حكمة
للرفض قوة و جرأة
و للقرار الاخير مصير للحياة
على اخر لحظة قاطعها شيطانها الذي لحق بها منذ أن رأى بعينها عزم الانفصال على العالم المادي، ليهمس في أذنيها بأن محاسن العيش أفضل بكثير من مساوئ الموت، و أن الألم أبدي بطبيعته حتى لو اغتربنا عن مضجعنا، و كذلك قفزة من هذا الجسر لن تشفي شيئا من جروحها بل العكس تماما سيتعمق الجرح و ينزف دما يتجاوز السابق. مسك بيدها و تراجعوا للخلف ثم رحلوا عائدين إلى المنزل قبل انتهاء موعدهم الليلي، لكي يكملوا طقوس الظلام بكل ولاء و مودة، فالقصة لم يحين وقت اختتماها بعد.
بقلم: هاجر بلهاشمي
No comments:
Post a Comment