Saturday, July 29, 2023

حكاية القدر

 

كان منزلا كباقي المنازل، يسمع منه أصوات ضحكات الصغار، و بكاء الكبار، تشعل فيه أنوار الحياة نهارا، و تنبثق منه أحلام سعيدة أو الكوابيس ليلا، في تلك الغرف الصغيرة عاشت شخصيات يجمع بينهم علاقة العائلة، تغلب عليها صرامة الأب و حنان الأم، تدفعها رعونة الأبناء للقيام بدورها في التأسيس و التعليم، فالعائلة إما أن تنتج مستقبلا يانعا أو ماضي بائس مطارد لمستقبل مجهول.

فجأة، مرت السنين كأنها في سباق ضد أماني دوام الشباب، لتقلب الموازين و يصبح الأطفال كبارا، و كذا الكبار طاعنين في السن، و يبقى المنزل الحاضن ثابتا بين كل مكان فيه آلاف الحكايات و الكلمات، كل زاوية منه تحمل ذكرى راسخة في ذاكرتهم جميعا، حتى أن كل خدش و علامة في ذلك المنزل تحكي عن واقعة، و تظل الأماكن شاهدة على تاريخ الأمم السابقة، تخلد قصصهم الضائعة عبر الزمن، و تدفن معها آثارهم المتبقية.

رحل الراحلون إلى دار البقاء، و ولد المواليد الجدد لاستقبال الحياة، فلا خلل في توازن النظام الكوني، فلا أرواح تغادرنا بدون أن تلقي السلام على الأرواح الأخرى الوافدة، فالدموع لم تكن أبدا للحزن فقط، بل كانت للفرح أيضا، و الورود ليست للتعبير عن الحب فقط، بل كانت للعزاء أيضا، فلا لقاء و لا وداع كان عبثيا، فنحن كلنا نسير على خطى القدر، نختلف كلنا في البدايات و نتقاطع في النهايات، إنها من بين الحقائق التي تبعث الطمأنينة لقلوبنا و الخيبة معا، حقيقة اننا ولدنا عراة و سنموت عراة كذلك.

فلما نترك الأيام تمضي و نتجاهل أنها حياتنا التي تمضي بالفعل، نتخلى عن الأحلام في كثير من الأحيان لنوفر الاستقرار المادي لضمان العيش الكريم، و عندما نغرق في الحزن نفقد الشغف و نفقد معه أنفسنا، نضيع في ألا مكان بينما يمكننا أن نغرق أكثر في الفرح و نجد ذواتنا في جنة رغباتنا، فإلى متى سنلتزم بالتخلي؟ و  إلى متى سنترك حكاية القدر المتشابهة تكتب في سطور قصتنا؟

No comments:

Post a Comment

وردية العمل

  كأن الساعات تتضاعف و الضيق على صدري ينقبض أكثر فأكثر، و القلق يتشكل عرقا على جبيني، أحمِل  تراكمات الأيام و سخط الأمس معي، اترقب موعد حريت...