كان ممسكا بزجاجة خمر ممتلئة وهو يدخل مقبرة مهجورة، قبورها تكاد تدفن تحت طبقات العشب المتراكم، الظلام الحالك رداء الغربان السوداء المقيمة، لا حياة بين مربعها الراقد على حضن الموت الأبدي، يكاد يسمع صوت أنين الأرواح الهالكة لقرون منسية، الغيوم كثيفة تحجب النجوم الساطعة في سماء الأماني العالية، القمر كان مكتملا كاكتمال جمال زوجته الراحلة في يوم زفافهما؛ في هذه المقبرة التي كانا يترددان عليها في مواعيد غرامية، تحوم الذكريات في كل زاوية من زواياها حتى أنه كان نفس المكان للقائهم الأول و الأخير بعد ما كانت أمنيتها الاخيرة أن تدفن بجانب الأموات الأخرين الذين شهدوا على وعد الحب الأبدي بينهم.
جلس أمام قبرها و هو يقرأ تاريخ وفاتها الذي يعد نفس تاريخ توقف حياته البائسة بدونها، و أخذ يحتسي الخمر لكي يتناسى ما مر عليه من أيام تعيسة أراد فيها أن يلحق بروح زوجته و يوفي بوعده لها، فهل يا ترى قد تسبب جرعة الحب كل هذا الألم بعد الفراق؟ فما كانت بدموعه إلا أن تنهمر على تراب قبرها فتنبت من الأحزان نباتا يذبل من شدة التخلي، زجاجات الخمر لم تعد كافية لتخذير ألم قلبه العاشق و لا قادرة على تهدئة العاصفة في أفكاره الكئيبة لانهاء قصتهم هنا. لم يشعر بنفسه حتى أصبح يردد بصوت عالي لن أدعك مستلقية في قبرك الضيق لوحدك يا ملاكي، ثم بدأ يحفر بكل قوته بيديه الخشنتين قبرا اخر بجانب محبوبته، و كسر الزجاجة الفارغة لكي يقوم باخر خطوة للمضي نحو خطوات روحها المفقودة في عالم الغيبات.
بقلم: هاجر بلهاشمي